في الذكرى السادسة لاغتيال السياسية الكردية هفرين خلف.. قاتلها يُكرّم من قبل سلطة دمشق

1. مقدمة

في مثل هذا اليوم، قبل ست سنوات، هزّ العالم مشهد اغتيال السياسية الكردية هفرين خلف، الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، على يد عناصر من فصيل “أحرار الشرقية” المدعوم من تركيا، أثناء عملية عسكرية في شمال سوريا في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

الفيديو الذي وثّق الحادثة أظهر مستوى صادماً من العنف، مثّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان.

ورغم الإدانة الدولية والعقوبات التي طالت المتورطين، فقد شهدت السنوات اللاحقة مفارقة مأساوية، إذ تمت مكافأة أحد المتهمين الرئيسيين في الجريمة (أحمد إحسان فياض الهايس الملقب بـ أبو حاتم شقرا) بمنصب عسكري رسمي داخل بنية السلطة في دمشق، في خطوة تكرّس ثقافة الإفلات من العقاب وتشكّل إهانة لذكرى الضحايا والعدالة على حد سواء.

2. خلفية الجريمة والانتهاكات الموثقة

2.1 عملية الاغتيال

التاريخ والمكان: 12 تشرين الأول 2019، على الطريق الدولي M4 شمال سوريا.

الجهة المنفذة: عناصر من فصيل أحرار الشرقية التابع لما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري”، والمدعوم من الحكومة التركية.

الضحية: هفرين خلف (1984–2019)، سياسية كردية وأمينة عامة لحزب سوريا المستقبل، عُرفت بدعواتها للحوار والتعايش بين مكونات سوريا.

2.2 توصيف الانتهاك

تُعد الجريمة وفقاً للقانون الدولي:

انتهاكاً صارخاً للمادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949، التي تحظر القتل خارج نطاق القضاء بحق المدنيين.

جريمة حرب وفقاً للمادة (8/2/ج) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لكونها استهدفت شخصاً غير مشارك في الأعمال العدائية.

كما ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية إذا ما أدرجت ضمن نمط من الاغتيالات الممنهجة بحق الناشطين السياسيين.

3. العقوبات الدولية على الجناة

في تموز/يوليو 2021، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية فصيل أحرار الشرقية وقياداته على قائمة العقوبات، ومنهم:

أحمد إحسان فياض الهايس (المعروف بـ”أبو حاتم شقرا”) – قائد الفصيل.

رائد جاسم الهايس (أبو جعفر شقرا) – القائد العسكري للفصيل.

وجاء في بيان الوزارة أن “أبو حاتم شقرا” متورط بشكل مباشر في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، شملت:

تهريب النساء والأطفال الأيزيديين.

دمج مقاتلين سابقين من تنظيم “داعش” في صفوف الفصيل.

تنفيذ عمليات قتل وتعذيب واحتجاز تعسفي وسرقة ممتلكات المدنيين.

4. من العقوبة إلى المكافأة: التعيين الرسمي في دمشق

رغم العقوبات والاتهامات الموثقة، تم في عام 2025 تعيين المدعو أبو حاتم شقرا قائداً لـ”الفرقة 86″ التابعة لوزارة الدفاع في دمشق، في المناطق الشمالية الشرقية (دير الزور – الرقة – الحسكة).

هذا القرار أثار استنكاراً واسعاً حيث وصفه فرهاد شامي، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، بأنه:

“خطوة سلبية وغير مقبولة تُلوث مؤسسات الدولة السورية، وتكافئ مجرماً مكانه خلف القضبان”.

كما اعتبر نشطاء أن التعيين يمثل شرعنة رسمية للجريمة، ويؤكد غياب الإرادة السياسية لدى السلطة السورية في ملاحقة منتهكي حقوق الإنسان.

5. انتهاكات متواصلة لفصيل “أحرار الشرقية”

بحسب تقارير حقوقية موثقة، ارتكب الفصيل:

حملات اعتقال وتعذيب بحق المدنيين والمعارضين.

مصادرة الممتلكات الخاصة ومنع عودة المهجرين.

إدارة سجون سرية خارج مدينة حلب.

إشراف على عمليات تصفية ميدانية وجرائم ضد المدنيين.

هذه الممارسات تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وتدل على نهج ممنهج في استخدام العنف خارج القانون.

6. موقف المجتمع المدني والسياسي

في الذكرى السادسة لاغتيالها، أقام حزب سوريا المستقبل مهرجاناً بعنوان “هفرين للسلام” في مدينة الرقة، حيث أكدت القيادية كوثر دوكو أن:

“من قتلوا هفرين اليوم يجلسون في مناصب عليا داخل ما تُسمى بحكومة دمشق الانتقالية، في استمرار لعقلية ترى في المرأة خطراً وفي الحرية عدواً”.

هذا التصريح يعكس استمرار سياسة الإفلات من العقاب وتهميش العدالة الانتقالية في سوريا، لا سيما في الجرائم التي تستهدف النساء السياسيات والمدنيات.

7. التوصيات

استناداً إلى الوقائع والمصادر الحقوقية، يوصي هذا التقرير بما يلي:

إلى الأمم المتحدة والآليات الدولية:

فتح تحقيق دولي مستقل في جريمة اغتيال هفرين خلف وجميع الجرائم الموثقة المنسوبة إلى فصيل “أحرار الشرقية”.

تفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية لملاحقة المتورطين أينما وُجدوا.

توسيع العقوبات الدولية لتشمل أي جهة حكومية تمنح مناصب رسمية للأفراد المدرجين على قوائم العقوبات.

إلى الحكومة السورية:

سحب التعيين الفوري لأبو حاتم شقرا من أي منصب رسمي.

تسليم المتهمين إلى العدالة وفق المعايير الدولية.

إقرار آليات للمساءلة والعدالة الانتقالية لضمان عدم تكرار الجرائم.

إلى المجتمع المدني السوري والمنظمات الحقوقية:

توثيق إضافي للانتهاكات وتقديم ملفات شاملة إلى الهيئات الأممية.

دعم أسر الضحايا وتخليد ذكرى هفرين خلف كرمز للسلام والعدالة.

8. خاتمة

بعد ست سنوات على اغتيال هفرين خلف، لم يتحقق العدل بعد.

بل إن تكريم قاتلها وتعيينه في منصب رسمي يعكس انحداراً خطيراً في منظومة القيم والعدالة في سوريا، ويشكل رسالة مقلقة مفادها أن الجريمة قد تُكافأ لا تُعاقب.

يبقى الأمل قائماً في أن توثق الذاكرة الجماعية السورية هذه الجريمة كواحدة من المحطات السوداء التي لا يمكن تجاوزها دون محاسبة ومصالحة عادلة، تحفظ كرامة الضحايا وتعيد للعدالة معناها الحقيقي.

النسخة الإنكليزية: اضغط هنا

Scroll to Top